مقال د. أحمد حسين: المسؤولية الاجتماعية مفهوم متعدد الأبعاد ومساحة الابتكار بتطبيقاته غير محدودة

تشير المعاينة للأدبيات العلمية بشأن المسؤولية الاجتماعية إلى وجود اهتمام خاص بتتبع التطور المفاهيمي للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وقد كشف مورا لايت وبادجيت (2011) أن المفهوم - منذ نشأته في الخمسينات - يتمحور باستمرار حول العديد من الممارسات المختلفة والفلسفات وقد أصبح بالتأكيد قضية استراتيجية مهمة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تسلط البحوث والدراسات التي تناقش موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات الضوء على مجموعة متنوعة من التعريفات التي تنطوي على وجهات نظر أساسية مختلفة يتم الاستشهاد بها بشكل شائع فيما يتعلق بالمجتمع والأخلاق وممارسات المنظمات. 
من منظور استراتيجي، عرّف كولتر و لي (2005) المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها “التزام بتحسين الرفاهية المجتمعية من خلال ممارسات الأعمال الطوعية والمساهمات بموارد الشركة”. في هذا التعريف، من الواضح جدا أن المنظمة كوحدة تحليل قد أعطيت تركيزا مركزيا في وصف مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات. لذلك يجب أن تكون الممارسات التنظيمية مجال اهتمام عند دراسة أو إنشاء نشاط المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. من اللافت للنظر أن الممارسات التنظيمية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات قد تطورت بشكل كبير حول نظريات الإدارة، خصوصا تطوير الاستراتيجية. كشف رانجان وتشيس وكريم (2012) بشكل صريح عن “أننا نجادل بأن كل شركة يجب أن يكون لديها استراتيجية المسؤولية الاجتماعية للشركات التي توحد النطاق المتنوع للعطاء الخيري للشركة، وسلسلة التوريد، وتسويق (السبب)، ومبادرات مستوى النظام كلها تحت مظلة واحدة”.
 وفي هذا الصدد، ينبغي أيضا تعزيز الحقائق بشأن الممارسات التنظيمية للمسؤولية الاجتماعية للشركات عبر مفهوم الأداء الاجتماعي للشركات، وهو مفهوم مهم في أي مشروع للمسؤولية الاجتماعية، والذي يتم تعريفه على أنه “تكوين مؤسسة أعمال لمبادئ المسؤولية الاجتماعية، وعمليات الاستجابة الاجتماعية، و السياسات والبرامج والنتائج الملحوظة من حيث صلتها بالعلاقة المجتمعية للشركة “ (وود، 1991). وهو مفهوم نجد محتواه النظري متعدد الأبعاد ومتنوع. ولغاية التطبيق العملي يمكن التركيز بالمقام الأول إلى بُعد برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات وربطه بمفهوم الممارسات التنظيمية. يتم التعرف على برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات ضمن نطاقات مختلفة بما في ذلك العلاقات مع أصحاب المصلحة، والأعمال الاجتماعية والاقتصادية والتطوعية والبيئية. من ناحية أخرى، يشار إلى مصطلح “الممارسات التنظيمية” على أنه مجموعة من الاستراتيجيات والمبادئ والسياسات والإجراءات التي تتبعها الشركة عند تقديم برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات. حيث لتعزيز نوعية العمل المؤسسي في هذا المجال، يمكن التعامل مع كلا المفهومين “الأداء الاجتماعي للشركات” و “الممارسات التنظيمية” كمتغيرات كامنة لبناء “توجه المسؤولية الاجتماعية للشركات”، والذي نشير إليه على أنه نهج الاستجابة من قبل الشركة تجاه المسؤولية الاجتماعية للشركات من حيث تبني الممارسات التنظيمية و الأداء.
عرّف سيمز (2003) المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنها “الالتزام المستمر من جانب الشركة نحو التصرف بشكل أخلاقي والمساهمة في التنمية الاقتصادية مع تحسين نوعية حياة القوى العاملة وأسرهم وكذلك المجتمع والمجتمع ككل”. ومن هذا التعريف، من الواضح أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات يتماشى بشكل أساسي مع مستويين من التحليل: الأول، المستوى الأوسط (المنظمة)، والثاني، المستوى الكلي (المجتمع). هذا واتجه العديد من الباحثين نحو توظيف مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات على مستوى المؤسسة وعلى مستوى المجتمع على أنها مسؤولية اجتماعية مرتكزة داخليًا “Internally-centric CSR” ومسؤولية اجتماعية مرتكزة خارجيا Externally-centric CSR. يسمح هذا بتبني نطاق واسع من التطبيق بما يتعلق بتوجهات المسؤولية الاجتماعية للشركات على المستويين الداخلي والخارجي. داخليا، تنفذ الشركات المسؤولية الاجتماعية عبر التزاماتها الرصينة تجاه الجوانب الأخلاقية والقانونية ونوعية حياة الموظفين والنجاح المالي. بينما خارجيا، يمكن أن تتركز جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات على المجتمع المدني (كالمبادرات المجتمعية) والموارد العامة والبيئة التي تنفذ عن طريقها الشركة عملياتها.
ولذا يمكن الاستنتاج من معاينة الأدبيات التي اهتمت بمفاهيم المسؤولية الاجتماعية أن الجانب النظري يدفع نحو انتهاج المسؤولية الاجتماعية بشكل شمولي ومتعدد الأبعاد بداخل وخارج المؤسسة وعلى نطاق يمتد من القائمين على نجاح المؤسسة إلى أفراد المجتمع و الجهات المؤثرة والمتأثرة بأعمال المؤسسة وتوجهاتها، وأن التغيير في هذه المفاهيم سيكون مستمرا، خصوصا أن العالم يشهد تحولات نوعية بمختلف أوجه الحياة وأساليب العمل وما يحتم أن يتزامن معه من ابتكارات مؤسسية اجتماعية تخدم الإنسان بالدرجة الأولى.